أساطير السحرة، وسحرهم، والتعاويذ، والتمتمات غير المفهومة، والحركات الغريبة، ودماء الخفاش مع كلية الضبع وكبد الغراب… هذه العوالم الغريبة.
القاسمان المشتركان في هذا العالم هما: التعاويذ (التمتمات، والكلمات الغريبة)، وأعضاء الحيوانات.
سأتناول هنا العامل الأول.. التعاويذ وتلك القوى الخفية للكلمة المنطوقة.
لا يغيب عن بالنا المشهد المشهور للدجال الجالس ببخوره أمام جمرات النار، يتمتم بما لا يفهمه أحد، ويتكلم وسط أقواله عن سر الكاف والنون وأمره بـ (كُن فيكون)، كما نتذكر من بين كل مشاهداتنا وقراءاتنا كل الكلمات السحرية غير المفهومة، المذكورة في القصص والأفلام.
السؤال هو، لماذا الكلمة؟! لماذا كلمة الأمر بالتحديد؟! ما القوى السحرية الكامنة في الأحرف لما تجتمع وتُنطق؟!
الأساطير تنسب الكثير لقوى الكلمة، فلماذا؟
القدماء يؤمنون أن الإنسان في بدايته لم يكن يملك رفاهية الحديث، فلم تكن هناك لغات، ولا إشارات، ولا أي شيء؛ فكان التفاهم عسيرًا.. وببطء، ببطء شديد، تكونت اللغات، بداية بالأسماء؛ فهذه شمس وهذا قمر وهذه أرض، هذا نهر وهذه أسماك وتلك حيوانات.. ثم بدأت الأفعال تُشتق من مُسمياتها، ومع الوقت انتظمت اللغة، فصارت الكلمة المنطوقة توفر عناء الكثير من الإشارات، وغموض العديد من الإيماءات، ونواتج الفهم الخاطيء.. ثم تعرف على صيغة الأمر، بقوته أو بسلطته أو بمكانته يستطيع أن يأمر فيطاع، والأمر الذي يوجهه لشخص آخر يوفر عليه مشقة الفعل، وصار يتوق لدرجة أخرى يرتقيها، أن يأمر الحيوانات والجمادات فتُطيع.
من هنا يرى أن الكلمة لها قوة خاصة بها، خصوصًا في صيغة الأمر..
لكن هذا التفسير غير معقول، فنحن نعلم أن بداية الخلق كان سيدنا (آدم)، الذي علمه ربه الأسماء جميعًا.
فلنتحول إلى توضيح المقصود بقوة الكلمة..
في أسطورة (السندباد)، ذُكرت عرائس البحر اللواتي يسلبن الرجال عقولهم بغنائهن الساحر، وصوتهن العذب.
في حكاية (علي بابا)، نذكر كلمة ( افتح يا سمسم)، التي يفتح على أثرها باب مغارة عصابة الأربعين.
في أسطورة النداهة، السحر أيضًا بكلمة، هي نداء باسم الشخص المراد سحره.
فما الفارق بين الحكايات الثلاث؟!!
في أسطورة (السندباد) لا تستعمل عرائس البحر قوة الكلمة في سحر البحارة، بل يستخدمن صوتهن وغنائهن العذب، المسألة مسألة تأثير جنسي، فبجانب الصوت والغناء هُن يُظهرن نصف جسدهن فيسلب الجمال أيضًا لُب الرجال.. الرجال فقط فلا تأثير لذلك السحر الجنسي على النساء.
وفي حكاية (علي بابا) القوة للكلمة، فمهما كان القائل، مهما كان نوعه أو جنسه أو عمره، بمجرد قول الكلمة يفتح باب المغارة، فقط بقوة الكلمة.
وفي حكاية النداهة السحر ليس سحر جنس أو قوة كلمة، النداء باسم الشخص المراد سحره هو السر، الصوت العميق أو القوي هو المفتاح، إنها قوة الساحر لا قوة الكلمة.
من هنا نرى اختلاف أوجه التأثير السحري للكلمة، فتارة هي مثير جنسي في سحر إلهاء العقول، وتارة هي وسيلة للسيطرة من الساحر على المسحور، وتارة هي القوة المطلقة في سحر يعتد أساسًا على قوة الكلمة وحدها، قوة فعل الأمر.
وهل يطمع الإنسان في هذه القدرة الإلهية؟!! أن يقول للشيء كن فيكون؟!!
السحرة لا يتورعون عن فعل شيء، يؤمنون بالقوة فقط.. فما المانع في نظرهم؟!!
سحر الكلمة تتجلى قوته لدى الفراعنة، فجلّ سحرهم تعاويذ، آلهتهم تلقى التعاويذ لفعل أي شيء، بخلاف آله الإغريق الذين يكتفون بإشارة أو لمسة من يدهم، وسحر الكلمة لدى الفراعنة يعتمد أساسًا على السر الأعظم، السر الذي يولد به كل إنسان ويبقى محافظًا عليه طوال عمره، سر اسمه الأول.
إنها أسطورة غير مشهورة، أن لكل شخص -حتى الآلهة- اسم أطلقه عليه أبواه لحظة ميلاده ونقلاه إليه، بخلاف اسمه الأخر الذي يُعرف ويُنادى به، هذا الاسم السري يحمل كل القوى السحرية التي ينقلها الأبوان لطفلهما والقوى الأخرى التي يكتسبها أثناء حياته، وحين يريد الشخص أن ينقل اسمه لشخص أخر فهو لا ينطقه، بل مجرد انه يريد انتقال الاسم والأخر يقبل أن ينتقل الاسم إليه.
ينطق الاسم فقط في التعاويذ، ولكل اسم قوته التي يستمدها من قوة صاحبه، كما أن لكل تعويذة قوتها الخاصة، وبنطق الاسم وسط التعويذة يدمج كهنة الفراعنة قوة التعويذة بقوة الساحر.
لكن يبقى في النهاية سؤال.. كيف تكتسب التعويذة قوتها الخاصة؟!
أرجو الرد و آسف مجددا للمدير لأني ما كنت أعرف الشروط جيدا
وللكنني في جميع الأحوال غلطان وأستحق العقاب